غبار يعمُ المكان..
والكل يغادر بسرعة رهيبة دونَ الالتفات للخلف.
ولا زالَ صوتُ الانين يعلو ويعلو ولا أحد
يعودُ أدراجهُ لتقديم يد المساعدة..
لم يعد بامكان أحد أن يتسائل ما الذي يحدث.
طفلة صغيرة فقط بقيت متسمرة بنفس المكان
تنظر بهلع وخوف نحوَ الداخل ودموعها تنسكبُ كالامطار.
ولا زالت الحجارة تتساقط من العمارة الشاهقة مع إرتفاع صوت
الانين والصرخات تكاد تصم آلاذان..
لمَ لم يحاول أحد مدَ يد المساعدة .. الكلُ يفكر فقط بالانا
وبفرحة الخلاص ..
يبدو أنَ الطفلة المسكينة لوحدها من تتمنى أن تعودَ أدراجها
لتبحث عمن بقيَ على قيد الحياة ولكنَ قلبها الصغير خائف
مما سيجد هناك.تحركتْ الطفلة نحوَ العمارة بخطوات جريئة
وبعيون مغمضة وبقلبٍ يكاد يقفز من صدرها.
توقفت غادة أمامَ الباب وهالها ما رأتهُ _ في احد الزوايا كانَ هناك رجال تحتَ الاعمدة
ونساء برغم الجراح التي تكسو أجسادهن النحيلة تكاثفن لرفع الاعمدة ..
وفي زاويةٍ اخرى كانَ رجل يضمُ طفلهُ الرضيع لصدره ويبكي فقدَ زوجتهِ الشابة
التي تحطمت عظامها..وفي مكانٍ آخر كانَ جد عجوز يضع حفيدتهُ باحضانه
وهوَ يضع أحدى يديه على كتفِ زوجتهُ ويربت عليهِ بحنان ويبتسم لها إبتسامة باهتة.
ولا زالت غادة تبحث بعينيها عن شيءٍ معين وفجاة وجدتهُ وركضت باتجاههُ بدموعٍ
غزيرة إنهُ كلبها الحبيب الذي يحمل بينَ أسنانه دميتها ..جلست غادة على الارض
وأحتضنت كليهما بحبٍ وشوق وطلبت من كلبها أن يدلها على مكانِ والديها..
نبحَ كلبها بدلال ثم ركضَ أمامها بلهفة وشوق والدمية تغرد بصوت حنون "ماما ..بابا"
صعدت غادة الدرج بحذر للطابق الاول على الدرج المتهالك غير أبهة بتحذير أحد الرجال لها الذي
أخبرها ألا تقلق فرجال الاسعاف بطريقهم للمكان _فهذا دوما ما يحدث في مثلِ
هذهِ المواقف _ياتون دوما متاخرين ..
وحينَ وصلت للطابق الاول توقفت قليلا ووضعت يدها على قلبها وأغمضت عينيها
للمرة الثانية وولجت للداخل ولم تعلم هل تبكي أم تضحك فقد وجدت والديها على قيد الحياة
ولكنهما ينظران للسقف وفجاة قالَ والدها : "أتذكر أني تمنيت أن تمطر الدنيا فنحنُ لم نرى الغيث من فترة طويلة ..ولكن ما شهدتهُ اليوم شيء مختلف تمام.. ولكني احمدُ الله أنَ جميع أفراد أسرتي بخير.."
وأنفجرَ الجميع بالضحك وفي قلوبهم عرفوا طالما أنهم معا فالمستقبل حتما سيكون مشرقا.